recent

آخر الأخبار

recent
recent
جاري التحميل ...

انقاذ معبد بوهين


فريدرك هنكل و نقاذ معبد بوهين
بوادي حلفا


   بعد ظهر يوم 24 ديسمبر وفى عشية اعياد الكريسماس عام 1962م , كنا اربعة رجال , الدكتور بليندريس, مدير ( المركز الدولى لحفظ وصيانة الممتلكات الثقافية ) ومركزه روما ومعه مساعداه , الدكتور توراكا والدكتور مورا , وشخصى ( فريدرك هنكل )  كنا نتجول فى شوارع  وادى  حلفا ونتحول من متجر الى اخر فى تلك المدينة الحدودية الصغيرة ,  غير ان جولتنا لم تكن بهدف البحث عن هدايا بمناسبة الكريسماس , بل كان الهدف مرتبطا بتفكيك ( معبد بوهين ) فقد كانت المواد الكيميائة اللازمة لتقوية الصخور الرملية الهشة التى بني بها المعبد قد ارسلت من اوربا الى وادى حلفا فى الصيف السابق الا انها لم تكن قد وصلت  حتى ذلك التاريخ .

      ولم يكن ذلك بالشىء  غير العادى فى السودان , بلد بميناء واحد مناط به القيام بجميع اعمال الاستيراد والتصدير والمرتبط ببقية انحاء البلاد    

بخط واحد للسكك الحديدية , فكان ذلك وضعا لم تجد معه الجهود التى بذلتها السلطات السودانية واعطائها الاولوية لحملة انقاذ اثار النوبة , وعليه اصبح الخبراء المعنيون فى الموقع والذين كانوا فى سباق مع الزمن , اصبحوا فى وضع حرج جدا  حيث ان اغراق المنطقة بمياه سد اسوان العالى كان محددا له شهر يونيو 1964م , ولتجنب المزيد من التاخير كان على الخبراء الاسراع بعمل شئء ما .

 لذا كانت تلك الجولة فى الوسط التجارى فى مدينة وادى حلفا بشوارعها ومتاجرها المحازية للخضرة والنيل المنسابان من امامها وبها لكل ذوق وجيب شيئا , بائعو الفواكه والخضروات وبائعو البهارات وكذلك الحلويات , البضائع المعروضة قرب المسجد , المقاهى , الفنادق الصغيرة والمطاعم وصالونات الحلاقة وتلك المحال التى تتمركز حول الساحة امام محطة السكك الحديدية وقريبا من الميناء ومكاتب البريد والجوازات والجمارك . وما بين محطة القطار والمسجد تجد الوانا من المحال التجارية , اكداس الاقمشة ومواد البناء والادوات والمعدات , الصيدلية بادويتها , الات ومواد التصوير وبين هذى وتلك تجد محال الخياطة والنجارة والسمكرة ونساجو السلال , وكان يبدو بان المحال جميعها جاهزة للايفاء بكل الطلبات الممكنة ولديها مختلف البضائع من المربيات ومعاجين الاسنان الى حبال التيل والاقفال وصولا الى راديوهات الترانزستور ومواقد الكيروسين.

يقول  هنكل , وجدنا ضالتنا عند متجر صغير , وجدنا (الشيلاك) أى الغراء ,

عند دخولنا المتجر , رحب بنا بتلك الكلمة اللازمة والمعتادة عندهم ( فضل ) وجلسنا على مقاعد احضرت على وجه السرعة كما كانت تحيتهم لنا بتلك الرائحة الجميلة التى ذكرتنا باعياد الميلاد ( شاى بالقرنفل ) واثناء تناولنا الشاى , انجزنا مهمتنا , ان برد الشتاء والشاى بالقرنفل وفرحتنا بالحصول على طرد من ( الغراء ) كل ذلك ما وضعنا بالفعل فى اْجواء الكريسماس , اْما الحصول على القماش القطنى الجيد للف الكتل الحجرية فامكن الحصول عليه من نفس السوق بلا تعب , فقد ثبت لنا باْن الثياب ذات الستة اْمتار التى ترتديها المراْة السودانية تفى بالغرض.

بعد ثلاثة اْسابيع من ذلك التاريخ اكتملت عملية تقوية صخور معبد بوهين , وهنا يجدر بالذكر بان نفس الطريقة قد اعتمدت لمعالجة الصخور الرملية فى معبد ( عكشة ) و ( مقبرة الامير جحيتى حتب ) فى ( دبيرة ) فى الشمال , ولانزال الكتل الحجرية التى بنى بها معبد بوهين لم نجد رافعات مناسبة لهذا الغرض ( كانت هناك رافعة وحيدة موجودة فى ميناء وادى حلفا  يرجع تاريخها الى العام 1902م ) عليه فقد تقرر العودة الى الطريقة التى كان يتبعها قدماء المصريين ولكن بصورة عكسية , وذلك بملء المعبد بالرمل الى ارتفاع يصل الجزء الاسفل من اعلى طبقة  فى البناء ومن ثم يتم تفكيك ودحرجة الكتل التى تشكل تلك الطبقة فوق الرمل ووضعها فوق زحافات امكن صنعها من خشب المهوقنى وهو خشب قوى جدا ويعتبر فى السودان ارخص من الخشب اللين المستورد وبعد تمييز الكتل الحجرية بالوان ولفها  بالقماش الذى احضر من سوق وادى حلفا تم وضع هيكل خشبى مماثل من الجهة العلوية للكتلة نفسها وعمل وسائد قطنية وبعدها  جرى ربط الهيكلين العلوى والسفلى باحكام شديد بواسطة مسامير لولبية واطواق حديدية بكل من الاركان الاربعة .وكلما تتم انزال طبقة يتم ازاحة الرمال حتى الطبقة التالية ويجري تكرار نفس الطريقة حتى الوصول الى الاساس الرملى او الصخرى.

ان تلك الطريقة التى تم اعتمادها فى انزال الكتل الحجرية من فوق جدران معبد بوهين قد منحت تلك الكتل حماية قوية رغم الاسلوب غير السلس الذي اتبع والذى  لم يكن منه بد , ولنقل الكتل الحجرية وتحميلها الى الضفة الشرقية حيث وسائل النقل عهد الى حوالى 30 رجلا جرها فوق قنطرة شيدت بنفس النوع من خشب المهوقنى على طول المسافة من المعبد حتى شاطىء النيل حيث تنتظر القوارب , وبالفعل نقلت الصناديق الـ 59 والتى بلغ اوزانها الاجمالية حوالى 600 طن الى محطة القطار فى وادى حلفا ومن ثم تم شحنها على متن 28 عربة سكك حديدية وارسلت الى الخرطوم على بعد 929 كلم الى الجنوب وقد وصلت كل تلك الحمولة الصخرية سليمة وبتكلفة اجمالية بلغت ( 150ر25 جنيها سودانيا )  أى حوالى (000ر50 دولارا امريكيا )  حتى الوصول الى محطة السكك الحديدية فى الخرطوم .   

    يقول السيد هنكل بانه وبعد اربع سنوات من تهجير اهالى وادى حلفا الى منطقة خشم القربة واثناء اعادة تشييد وتركيب المعابد والاثار التى نقلت من وادى حلفا فى المتحف القومى فى الخرطوم ,  ذهب الى حلفا الجديدة لرؤية المنطقة  ولزيارة اصدقائْه الذين عاش معهم سنوات فى موطنهم الاول وانه وعلى غير موعد وجد نفسه واقفا امام منزل طباخه السابق فى وادى حلفا السيد| جعفر صالح موسى فى ( القرية 23  دغيم جنوب ) والذى سر كثيرا لرؤيته ويقول السيد هنكل وما هى الا لحظات حتى انتشر خبر قدومه كالنار فى الهشيم فتجمع كل سكان القرية للسلام عليه ويضيف بانه كان يرى الدموع متحجرة فى عيون الاهالى حيث ان رؤيتهم له قد عادت بهم الى ذكرى بلادهم ودورهم التى فارقوها , تلك الذكرى التى لن تفارقهم ما عاشوا.
كانت تلك ترجمة من كتاب السيد / فريدرك هنكل , ذلك المعمارى العالمى والالمانى الجنسية عن ( الهجرة من بلاد النوبة ) والصادر فى المانيا  عام 1978م بعنوان Exodus From Nubia)) وللسيد هنكل  يعود  الفضل الاكبر فى انجاح الحملة العالمية لانقاذ اثار النوبة 1960- 1980      

ترجمة:حسن بلال

كاتب الموضوع

Bilaleengy

0 تعليق على موضوع : انقاذ معبد بوهين

  • اضافة تعليق

  • الأبتساماتأخفاء الأبتسامات



    إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

    إتصل بنا

    زوار المدونة

    Statistics

    احصاءات المدونة

    جميع الحقوق محفوظة لـ

    Bilaleskale

    2017